النضال الصامت
بقلم هنا محمد مختار
بقلم هنا محمد مختار
في عالم اليوم المزدحم، تُعَدّ الصحة النفسية واحدة من أهم جوانب رفاهيتنا—ومع ذلك لا تزال من أكثر الجوانب المُهملة. فالأمر لا يقتصر على ما إذا كان لدى الإنسان مرض نفسي أم لا، بل يتعلّق بالتوازن—كيف نتعامل مع مشاعرنا، ونُدير أفكارنا، ونجد القوة التي تساعدنا على تجاوز تقلبات الحياة. للأسف، رغم أهميتها الكبيرة، كثيرًا ما يتم تجاهل الصحة النفسية، أو التعامل معها كموضوع محرَّم، أو لا يُناقَش إلا عندما تصل الأمور إلى نقطة الانهيار.
والحقيقة أن الصحة النفسية تمسّ الجميع. فهو الطالب الذي يحدّق في ملاحظاته بلا جدوى بعد ساعات طويلة من الدراسة، والموظف الغارق تحت سيل من المواعيد النهائية، والوالد الذي يحمل على عاتقه أعباءً لا تُقال. هذه صراعات قد لا نراها بأعيننا، لكنها حقيقية تمامًا. فخلافًا للحمّى أو كسر العظم، فإن ألم القلق أو الاكتئاب أو الإرهاق لا يظهر دائمًا إلى الخارج—ومع ذلك يمكن أن يكون مدمرًا بالقدر نفسه، إن لم يكن أكثر.
ما يجعل الصحة النفسية أكثر صعوبة هو مدى هشاشتها. فالعقل يتأثر بكل شيء—بيئتنا، علاقاتنا، ماضينا، وحتى الضغوط الصغيرة التي نحملها يوميًا. أحيانًا، كلمة قاسية واحدة قد تجرح أعمق مما نتخيل. وكثيرًا ما يخفي الناس ألمهم وراء ابتسامات زائفة أو انشغال دائم، ظنًّا منهم أن إظهار الضعف يعني ضعف الشخصية. وهذا المفهوم الخاطئ قد أسكت كثيرين ممن كانوا يستحقون التعاطف بدلًا من الحكم القاسي.
لكن الجانب المشرق هو أن الصحة النفسية، رغم هشاشتها، تملك قدرة مذهلة على التعافي. فبالاهتمام يمكنها أن تُشفى. العلاج النفسي، الحوارات الصادقة، أو حتى أبسط أفعال اللطف قد تُحدث فرقًا هائلًا. تخصيص وقت للراحة، أن تكون صادقًا مع نفسك، والتخلي عن التوقعات غير الصحية بأن تكون “قويًا دائمًا” ليست كماليات—بل ضرورات. وحتى الكلمات البسيطة مثل: “أنا لست بخير” قد تكون بداية لتغيير عميق.
الحديث عن الصحة النفسية ليس مجرد موضة عابرة—بل مسؤولية مشتركة بيننا جميعًا. فكما نقاوم الأمراض الجسدية، علينا أن نواجه الصمت والوصمة والعار المرتبط بالمعاناة النفسية. خلق مساحات آمنة يشعر فيها الناس بأنهم قادرون على الإفصاح دون خوف أو سخرية ليس خيارًا—بل ضرورة. فالمجتمع الذي يتجاهل الصحة النفسية يضرّ نفسه في النهاية.
في جوهر الأمر، الصحة النفسية هي عن إنسانيتنا المشتركة. فكل واحد منّا سيواجه صراعات عاطفية في وقت ما. لا أحد يجب أن يشعر بالخجل من طلب المساعدة. ولا أحد يجب أن يمر بهذه المعاناة وحده. عندما نحتضن التعاطف والرحمة، فإننا لا نساعد الأفراد فحسب—بل نقوي مجتمعنا كله ونجعله أكثر صحة.